الهجرة بين أحكام الدين وصنمية الجغرافيا القسم 2

المسلم بين دين التوحيد وصنمية الأرض

فطر الله الإنسان على الارتباط بأرضه ودياره وعشيرته وربعه، إلا أن المسلم الرسالي يرتبط بأهداف هذه الرسالة السماوية العظيمة، وهو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يهاجر من مكة التي يحبها إلى المدينة لأجل مشروعه الدعوي المرتبط برسالة الإسلام، كما أن هدف الحفاظ على أصحاب رسول الله وصيانة حرياتهم وكرامتهم كان سببًا في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم لهم إلى الحبشة.

إن الفرق كبير بين من يصل حبه وتعظيمه إلى درجة عبادة الوطن والأرض، وبين من يعبد رب الأرض ويعظم شريعته، ويحدد موقفه ويضبط خطوات مشروعه بما يرضي الرب سبحانه ويلتزم بأحكام دينه وهديه، وهو محل اجتهاد الفقهاء في السياسة الشرعية.

إن جميع الخلائق التي خلقها الله من غير البشر تتجه بفطرتها النقية لمغادرة كل أرض تتعاظم فيها المخاطر حتى تودي بحياتها، وكما أن الطيور – التي لا تملك عقولًا راشدة – تغادر جغرافيا محددة في مواسم معروفة ثم تعود إليها مجددًا، فإن بني البشر يغادرون محل المهالك عندما تختل الموازين التي تحيط بهم، ويصبح الهلاك راجحًا إلى درجة اليقين، فإن زالت المهالك عادوا من جديد.

ومن نكد الدنيا الذي يزيد من إحباط الشعب الفلسطيني، أن معظم من ينظرون ويوصون بعدم الهجرة لمن يقفون على شفير الموت، هم من الدعاة والعلماء الذين هاجروا من مصر واليمن والشام والسودان والعراق وفلسطين وغزة، نتيجة تهديدات في حقبة الربيع العربي أو ما أعقبها، رغم أن أحدا منهم لم يرَ ولم يصبه عشر معشار ما يلاقيه أبناء الشعب الفلسطيني في غزة. فهل يختلف شكل التعامل مع رجحان القتل وشكل التهديد عندما يمارسه محتل يهودي عن حاكم عربي طاغوت نجس لا يؤمن بالله العظيم؟

التهجير القسري بين الخلفية السياسية ومغامرات غير الراشدين!

من نافلة القول أن مشروع الترانسفير هو جزء من المخطط الصهيوني الغربي في فلسطين منذ رحيل العثمانيين عنها، حيث تابع الصهاينة اليهود ما بدأه الصهاينة الإنجليز. فليس اكتشافًا القول إن هدف المشروع الإسرائيلي تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة!

إن حديثي ينطلق من واجب الوقت الحالي في إيقاف أنهار الدماء الغزية، لا سيما بعد انعدام الآفاق السياسية في ظل عجز عربي وارتباك فلسطيني، وليس المنطلق فكرة التهجير بل صون الدماء المسفوكة.

وهنا لابد من طرح سؤال جريء وشفاف، حيث إن أحدًا لا يجادل في خلفية مشاريع التهجير الإسرائيلية، لكن السؤال يقول: ما هي الأسباب التي مهدت لخطوة التهجير هذا العام والذي سبقه، رغم أن خطة التهجير قائمة وأهدافها مطلوبة منذ 77 عامًا؟

إن الذي يتعامل بصدق حقيقي ووعي عميق ومسؤولية ناضجة حيال قضية المحافظة على التواجد الفلسطيني في المدن الفلسطينية سواء في الضفة أو غزة أو حتى في أراضي 48، هو من يدرك مآلات أفعاله قبل أن يندفع في مغامراته تحت عناوين وشعارات صحيحة ومشروعة، لكن توقيتها خاطئ وإيقاعها مضطرب بلا حسابات واعية، وبلا إعداد سليم يتناسب مع شكلها وحجمها.

فهل كانت عملية 7 أكتوبر ومعركة الطوفان منسجمة بين عناوينها المشروعة والبراقة، وبين مآلاتها الواضحة المجربة والمقروءة؟

هل يمكن التعامي عن حقيقة واضحة مفادها أن القرار الفلسطيني بفتح معركة تحرير واسعة – هي من شأن الأمة العربية والإسلامية لا سيما دول الطوق وشعوبها التي تتوق للتحرير – قد حمل الشعب الفلسطيني -وخصوصًا أهل غزة- ما لا يطيقه البشر والشجر والحجر، فعبد الطريق أمام التهجير المستهدف من قبل الخصوم؟

وهل كان التعويل على المشروع الإيراني المعادي – الذي قتل من أبناء العرب والمسلمين 4 ملايين ونصف المليون، وهجر منهم أكثر من 25 مليون لصالح استقرار إسرائيل وتوسع النفوذ الأمريكي في المنطقة – خطوة سديدة وسوية حين أجمعت عليها قيادات المقاومة الفلسطينية الوطنية والإسلامية؟

ولماذا لم تصبر القيادات الفلسطينية المؤمنة بالمرجعية الإسلامية على الإعداد الواجب نحو شعوب الأمة العربية والإسلامية، ولماذا لم تصبر على إطلاق معركة التحرير الكامل حين تعافي محيط فلسطين، بدل التعويل الآثم على إيران الطائفية، وبدل الإنطلاق من مفهوم وحدة الساحات الإيرانية، والذي أوجد فجوات بين شعوب الأمة المكلومة من إيران وبين القضية الفلسطينية؟

بكل وضوح أقول:

في الوقت الذي أدعو فيه لإخراج بعض الفلسطينيين من غزة ونقلهم إلى أرض الشام حفظاً لدمائهم وإيقافاً لنزيف أنهار الدماء، فإنني أتهم بوضوح قادة المقاومة الفلسطينية بالمسؤولية التاريخية عن إيجاد أرضية من الناحية السياسية والعسكرية والاجتماعية تدفع الشعب الفلسطيني طوعاً لمغادرة أرضه بحثاً عن حفظ حياته واسترداد حقوقه الإنسانية المهدورة، وهو إن فعل هذا فإنه معذور كبقية الشعوب في أرض الشام ومصر والعراق والسودان واليمن وليبيا وتونس والجزائر.

مضر أبوالهيجاء فلسطين-جنين 11/4/2025

زر الذهاب إلى الأعلى