الهجرة بين أحكام الدين وصنمية الجغرافيا القسم 3

مع بداية عملية 7 أكتوبر والطوفان أطلقت مبادرات عدة تستهدف تقليل الشرور القادمة، ورجوت الأطر الإسلامية -ومنها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- إنقاذ الشعب والقضية الفلسطينية ورفع الحرج عن المقاومين الفلسطينيين، وذلك من خلال استلام ملف الأسرى وتسليمهم بالكامل للمحتلين الغاصبين عبر مقاربة وأطر عربية، حفظاً للديار وللدماء وللقضية الفلسطينية، لا سيما وأن النتائج التي نراها اليوم كانت مقروءة بالأمس، عند من يعي حقيقة الأهداف الأمريكية والمطالب الإسرائيلية وكنه المشروع الإيراني المعادي، الذي يستخدم دماء العرب والمسلمين والقضية الفلسطينية في صراع النفوذ مع إسرائيل، مخادعاً للعرب والمسلمين وممتطيا بعض الحركات الفلسطينية، ومصورا صراعه مع المحتلين بأنه صراع وجود وليس صراع نفوذ، غير مستحٍ من فضائح علاقاته مع الكيان الصهيوني واستخذائه أمام الحاكم الأمريكي، فيما يتعامى بنو قومنا في فلسطين عن حقيقة المذابح التي نحر فيها ملالي إيران ملايينا من العرب والمسلمين في العراق والشام واليمن بشكل مشهود، واهوالها لا تقل عن أهوال غزة وفلسطين بل هي أضعافها 100 مرة.
فكيف حلت تلك اللوثة واللعنة في عقول قادة الفلسطينيين المقاومين، وكيف قبلت الفطرة السوية للمجاهدين القفز عن حقيقة المجازر المعلنة في كل محيط فلسطين اللصيق كما هي مجسدة اليوم في غزة ومخيم جنين؟
مفارقات عجيبة بين المقاومين والمنسقين!
ومن نكد الزمان علينا في فلسطين أن مآلات السياسة المتبعة من قبل السلطة الفلسطينية -التي غرقت في التنسيق الأمني الخياني مع الصهاينة والمحتلين- تحفظ التواجد الفلسطيني مرحلياً ونسبيا في المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، فيما قرارات وسياسات وخطوات قادة المقاومين المنتمين للدين والأمة، آلت إلى اجتثاث جزء من الكيان الفلسطيني من أرضه وإضعاف عموم تواجده، الأمر الذي حقق مطلباً صهيونياً كان عسيراً على التطبيق في العقود الماضية، وهي من نتائج لعنة الارتباط بين القضية الفلسطينية والمشروع الإيراني الذي أضعف القضية ولوث عقول القيادات الإسلامية قبل الوطنية، وكان قاب قوسين أو أدنى من إحداث اضطراب في الهوية الثقافية الدينية الجمعية، تماماً كما حصل في اليمن والعراق والشام، وجميعها جغرافيا وديمغرافيا من عجينة غزة!
الخلاصة
في ظل استمرار القتل والذبح وانهار الدماء في غزة، وفي ظل العجز العربي الشعبي وفي ظل التآمر الرسمي، وفي ظل الارتباك الفلسطيني الذي كشف عن اهتراء نظرياته وهشاشة عقله وضعف مسؤولياته، فإن أي حل شرعي وأخلاقي يفضي إلى إيقاف أنهار الدماء واجب الأخذ به دون تردد، لا سيما إذا كان خروج بعض الفلسطينيين إلى محيط فلسطين خارج حدود سايكس بيكو -الصنمية والظالمة- يوقف المجازر الصهيونية ويضيف فسحة لبناء المشاريع العربية، ويعزز التواصل بين القضية الفلسطينية وأهلها وأربابها من العرب والمسلمين بديلاً عن الارتباط الآثم بمشروع إيران المعادي والطائفي.
إن فلسطين لم تكن في يوم من الأيام دولة -منذ أن فتحها عمر بن الخطاب حتى زوال دولة الأمة قبل قرن- وإنما كانت جزءًا من الأرض المباركة في الشام، وهي اليوم تعتبر أهم جيب ثائر من جيوب الشام المستهدفة من مشاريع الصادات الثلاثة (الصهيوني والصليبي والصفوي)، ومن المؤكد أن خروج بعض الفلسطينيين حماية لدماء أبنائهم لن ينسيهم قضيتهم ولا ارتباطهم ولن يضعف حنينهم، كما لم ينس العراقيون والمصريون والسوريون واليمنيون والسودانيون ديارهم عندما فارقوها نتيجة وجود تهديدات لا تقارن بأهوال غزة، وقد خرج قبيل المعركة من غزة ربع مليون شاب، وما أن بدأت المعركة حتى خرج ربع مليون من أهل غزة الصابرين بعد أن دفعوا لشركة العرجاني السيساوي 10 آلاف دولار عن كل فرد.
لن تجد فلسطين أوفى لأرضها من أهلها أكثر من شعب سورية ومصر والعراق واليمن الكريم، لا سيما أن كل أهل فلسطين جاؤوا من تلك الديار حتى وصلوا مهاجرين من الديار المغاربية فكان أهلها الحراس الأوفياء للأقصى، فمن الذي صنع صنمًا للأرض الفلسطينية فبات يعبد من دون الله، ويصبح متقدماً ومقرراً لحركة المسلم بعيدًا عن الأحكام الشرعية؟
وهل زرع المشروع الغربي الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين إلا ليستهدف أرض الشام ومصر والعراق والخليج؟
وأخيرا أقولها بوضوح:
نحن نريد لجموع الأمة العربية والإسلامية أن تأتي لفلسطين، ولا نريد لأحد أن يهاجر من أرضه حيثما كانت، إلا أن العاقل قد يقبل بقطع طرف منه لكي يحفظ باقي جسده، فكيف نمنع من تحقق ووقع عليه الهلاك الراجح أن يغادر أرضه، لاسيما وهجرته لا تعني مطلقا انفصاله عن أمته وهويته؟
مضر أبوالهيجاء فلسطين-جنين 11/4/2025