تركيا تقلب الطاولة على أعداء سوريا والذاكرة العثمانية القوية حاضرة

- أنقرة… حيث لا يُنسى التاريخ
من إسطنبول إلى أنطاكيا، يهمس التاريخ بأن تركيا لا تنسى. مَن يعبث في جوارها السوري، فليتأهب لدفتر الحسابات العثماني، حيث لا تُطوى الصفحات بسهولة. فكما لم تغفر الدولة العثمانية غدر الشاه إسماعيل الصفوي في واقعة چالديران 1514، لا يبدو أن تركيا الحديثة تغفر لطهران عبثها المتكرر بجنوبي الأناضول. وسوريا، التي كانت ولاية دمشق الكبرى ذات يوم، عادت لتصبح ساحةً تُحرّك فيها أنقرة بيادقها، ولكن هذه المرة بعقل بارد وذراع حديدية.
- الصفعة الأولى: سقوط الأسد
في الثامن من ديسمبر 2024، ومع انهيار نظام الأسد على أيدي فصائل الثورة المدعومة من أنقرة، تغيرت معادلة النفوذ في الإقليم. كما كانت معركة نصيبين 1839 نقطة تحوّل ضد التمدد الصفوي في الشرق، بدا إسقاط الأسد اليوم أشبه بانتصار جيو-سياسي هائل، قلب رقعة الشام، وأربك حسابات من بنوا مشروعهم على صمود الطاغية. - تحذيرات فيدان… والخازوق على الرف
حين قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “من يسكن بيتًا من زجاج، لا يرمي الحجارة”، أعاد لذاكرة الخصوم ما حدث ذات يوم في أوتوغالاري (ساحة الإعدام)، حين كان الخازوق يُنصب لمن خان العهد أو دسّ السم في حدود السلطنة. ليس مجرد وعيد، بل استدعاء لرمزية الردع العثماني التي لم تُمحَ من ذاكرة الشرق. - طهران تُجرب حظها… مرةً أخرى
ظنّت طهران أن دعم حزب العمال، والتسلل إلى سوريا والعراق، يمرّ بلا رد. ولكن كما لم تسكت إسطنبول عن تدخل الصفويين في أذربيجان عام 1603، فإن تركيا اليوم لا تسكت عن دعم إيران لقسد، ولا عن معسكراتها المشبوهة في ماكو، كما فضحها سليمان صويلو. والرسالة واضحة: “حذارِ، نحن نعرف، ونترقّب”. - دمشق ما بعد الأسد: نصرٌ عثماني أم خارطة جديدة؟
من حملة السلطان سليم الأول على الشام عام 1516 إلى دخول الفصائل السورية حلب دون مقاومة تُذكر، ظلت دمشق مركز التوازن. واليوم، تتقدّم تركيا نحو مرحلة ما بعد الأسد، لتعيد ترتيب سوريا كجار لا كغنيمة. حكومة انتقالية، أو إدارة محلية مدعومة تركيًا، أو اتفاق ضمني مع الروس… كل ذلك يمر من باب أنقرة. - من دمشق إلى بغداد… الخازوق يتحرك
ما إن سقط الأسد حتى تحركت إيران بالتصريحات، كما كان يفعل الشاه طهماسب من قبل دون أن يحرّك جيشًا. أما تركيا، فكانت قد فتحت ملفات العراق والضفة الغربية والأردن، وربما أكثر. فالخازوق، الذي استُخدم آخر مرة في بلغراد 1862 لإخراس المتآمرين، بات جاهزًا، وإن بلغة العصر. - خاتمة: صالٌ عثماني… لا يعرف المهادنة
لم تكن تركيا تبحث عن توسع، بل عن أمان. لم تكن تعود إلى الشام إمبراطورية، بل دولة تحمي خاصرتها من مشروع تفكيك مذهبي وعرقي خطير. لكن، حين تُداس السيادة، وحين يلوّح الخصم بالسلاح في اللاذقية أو القامشلي، فإنها لا تتردد في إعادة فتح دفاتر الزمن… وفيها كل أدوات الدولة، بما فيها الخازوق العثماني.
هوامش تاريخية لتعزيز العمق:
- معركة چالديران (1514): انتصار عثماني على الصفويين، منع انتشار التشيع في الأناضول.
- معاهدة قصر شيرين (1639): رسمت الحدود بين العثمانيين والصفويين، لا تزال حدود تركيا وإيران مستمدة منها.
- احتلال دمشق (1516): ضمّها سليم الأول للدولة العثمانية بعد انتصار مرج دابق.
- أحداث بلغراد (1862): آخر تطبيق عملي موثق لحكم “الخازوق” قبل إلغائه رسميًا في القوانين العثمانية