هل ستستبدل أمريكا البغل الشيعي بالحصان السني؟

هل ستستبدل أمريكا البغل الشيعي بالحصان السني؟

مع انطلاق عملية 7 أكتوبر ومعارك الطوفان سألني أحد السياسيين المخلصين، هل تتوقع أن تنجح معارك الطوفان بإنهاء مسلسل التطبيع العربي مع العدو الصهيوني؟

أجبته قائلا إن هذه المرحلة هي مرحلة إنتهاء موضة التطبيع، وبداية تشكيل تحالفات عربية مع العدو الصهيوني – ولو في ثوب تطبيع أو أي مسمى آخر- الذي سينتقل إلى حالة علو في عموم المنطقة.

وبعد مرور عام على معارك الطوفان ومع تحرير سوريا واقتلاع رجس المشروع الإيراني من أرضها المباركة، سألني نفس الرجل قائلا: هل تتوقع أن تقوم أمريكا بضرب إيران وتحويلها الى دولة فاشلة كما فعلت بالعراق؟

أجبته دون تردد بأن أمريكا التي ستنفخ مزيدا من القوة في عضد يدها الضاربة في المنطقة إسرائيل، ستقوم بتشذيب المشروع الإيراني لتضعه على سكة جديدة تناسب رؤيتها للمرحلة القادمة دون أن تنهيها أو تدمرها، لا سيما وأن إمكانية التفاهم الغربي معها قائمة ودائمة في كل حين، وما الصدام الحالي القائم معها إلا بسبب صراع النفوذ بينها وبين الكيان الوظيفي اسرائيل، وكلا المشروعين وظيفي مفيد وناجع في تحقيق هدف استراتيجي للمشروع الصليبي، وهو تدمير المنطقة العربية والإسلامية، ومنع أي محاولة نهضة وانعتاق فيها، لذلك فإن الذي لن يستغني عن إسرائيل، لا يستغني عن إيران، والفرق بينهما أن الأولى من شحم ولحم الغرب، خلافا للثانية.

همست في أذن صديقي قائلا إن ما يقلقني الآن أعمق وأخطر، فرفع الرجل حاجبيها مستغربا وقائلا: وماذا هناك أسوأ من الحال الذي نعيشه في فلسطين والسودان والعراق ومصر وتونس وليبيا واليمن؟

أجبته بصوت خافت أنني أخشى أن تستبدل أمريكا الجحش الشيعي الذي تمتطيه، بالحصان السني الذي تبحث عنه وتريد وضعه على سكة جديدة، وإذا كانت العلاقة الأمريكية الإيرانية قد تدهورت بسبب فتح إيران قنواتها وحضنها للصين، فإن المكون السني هو الأقدر ديمغرافيا وثقافيا وعقائديا على مواجهة الزحف الصيني الشيوعي الذي يهدد النفوذ والمصالح الأمريكية.

استغرب الرجل من الطرح وبدأ يتمتم، فعاجلته قائلا: سأعطيك علامة فرعية على هذا التوجه، وهي عندما تشهد خروج علماء المسلمين المحبوبين من سجون الجزيرة فاعلم أن أمريكا تمهد الطريق وتصنع الأرضية المناسبة للفارس الأصيل، ولكنها أرضية لا تقود للتحرر ولا للنهضة ولا لامتلاك الإرادة السياسية المستقلة ولا الانعتاق من الغرب، بل هي أرضية مطلوبة للتمهيد اللازم للتوظيف القادم -لاقدر الله-.

أحبط الرجل وانسدل حاجباه على جفنيه قائلا: فإن صح استشرافك بأن أمريكا حانقة على إيران لأنها أمت بوجهها نحو الصين طمعا بمزيد من النفوذ، وحماية لمشروعها النووي، وأن أمريكا تريد أن تستبدل الجحش الشيعي بالحصان الإسلامي والفارس العربي المؤهل عقديا لمواجهة المد الصيني الشيوعي، فما هو الحل؟

أجبته حينها بالقول: أننا يجب أن نبني مشروعنا العربي والإسلامي المستقل، كما يجب أن نتوازن في علاقاتنا تجاه المشاريع والقوى الكبرى .. انتهى جوابي وأنا أشعر بالضعف، نتيجة فقر الوسائل وعدم سلامة القوام العربي والإسلامي، قائلا في نفسي يارب فرجك.

يمكنني الإجابة اليوم بوضوح أن الإجماع والاجتماع العربي والإسلامي على مواجهة الغطرسة والاستعلاء والعلو الصهيوني المعتدي على منطقتنا ودولنا، والذي يتوسع كل يوم ويزداد قبحه … هو ركيزة أساسية ومنحة كبرى وذلك لتحقيق هدفين:

1/ التخلص من التوظيف الأمريكي القادم والراجح للكيان العربي والإسلامي السني في مواجهة الصين، ومحاولة افتكاك الإرادة السياسية المستقلة.

2/ بداية تشكيل مشروع عربي إسلامي لمواجهة المشروع الصهيوني الغربي خارج إطار العلاقة السياسية المختلة والحلف الضار مع العدو الإيراني القبيح والمحتل لعدة عواصم عربية والمهدد للمنطقة وشعوبها وهويتها الثقافية.

وخلاصة القول إن إسرائيل في حالة علو وكبر واستعلاء تعبر عنه هجماتها الإجرامية في عموم المنطقة بلا رادع ولا تردد، وذلك بعد أن سلمتها إدارة ترامب تفويضا بإخضاع المنطقة

وبقدر ما تعيش منطقتنا وشعوبنا محنة بقدر ما هي منحة لإعادة رص الصفوف وبلورة مشروع مستقل خارج الرؤية الأمريكية ويعبر عن مصالح الأمة ومصيرها المشترك، فلا تحسبوه شرا لكم رغم آلامه وأوجاعه.

إن إسرائيل كيان وظيفي وهي اليد الضاربة لأمريكا التي تنكل بشعوب المنطقة، وإن أي احتراب ومواجهة معها -ضمن إجماع عربي إسلامي نسبي- سيكون سببا في تفويت أو اضعاف إمكانية توظيف أمريكا للكيان السني بديلا عن الكيان والمشروع الشيعي، وذلك خدمة لرؤاها وأهدافها المتجددة.

ختاما لا بد من الاستفادة من معارك غزة وفلسطين التي تشير بوضوح إلى أن الإعداد لمعركة التحرير ومواجهة الصهاينة لا يكون إعدادا معتبرا في حدود رسمها الغرب ليعوق التحرر المنشود، بل إن الإعداد الواجب هو على مستوى الأمة وهو ليس محصورا بالجانب العسكري.

مضر أبوالهيجاء فلسطين-جنين 25/3/2025

زر الذهاب إلى الأعلى