الهجرة بين أحكام الدين وصنمية الجغرافيا القسم 1

لا يمتلك أحد حساسية تجاه موضوع التهجير أكثر من الشعب الفلسطيني، وما ذلك إلا بسبب تجربته المريرة التي وإن تقاطعت مع كل الشعوب في الحنين الفطري إلى الأرض والوطن، إلا أن أمرًا هامًا يضاف إليها وهو العذابات المريرة التي أذاقتها الأنظمة العربية القومية واليسارية للشتات الفلسطيني، والتي تتجاوز عموم أشكال العذابات التي لاقاها الشعب الفلسطيني على أيدي المحتل الصهيوني خلال سبعة عقود. الأمر الذي يجعل الوجدان الفلسطيني يرفض قضية التهجير ويخشى عواقبها، عداك عن أن التهجير والترانسفير من الناحية السياسية هو مخطط إسرائيلي يستهدف تفريغ الأرض وإحلال قطعان اليهود مكانهم.

الهجرة حفظا للدين والنفس

لا شك بأن الإنسان مأمور بالقيام بواجباته الدينية ليتحقق الهدف من وجوده، فإن وجد في أرض لا يستطيع أن يقيم فيها شعائر دينه، ولا أن يقوم بما أمره الله به، فيقع عليه واجب الهجرة، فإن لم يفعل فقد ظلم نفسه. وإذا كان حفظ الدين أول مقاصد الشريعة، فإن حفظ النفس ثاني مقاصدها المعتبرة.

ندائي للمعالجة المرحلية في النازلة الغزية

لقد طرحت رؤيتي لموضوع الهجرة الجزئية من غزة الأبية إلى أمها الشام الوفية -لاسيما بعدما تحررت من الاحتلال الإيراني وزال فرعونها النصيري-، وذلك انطلاقًا من وعي الضرورة الشرعية والأخلاقية والإنسانية لإنقاذ الأرواح ووقف نزيف الدماء الفلسطينية التي تسفك في غزة كل يوم وليلة، وذلك منذ عام ونصف دون أمارات تشير إلى توقف أنهار الدماء الزكية المظلومة والمقهورة.

انطلقت في دعوتي تلك -بكل وضوح- من إيماني بالوجوب الشرعي لإنقاذ الغريق، ولم أنطلق من فكرة التهجير ولم أدعُ لها، وإنما دعوت سياسيي الأمة لبحث الخطوة العملية الممكنة لإيقاف أنهار الدماء في غزة المنكوبة.

إن دعوتي للرئيس أحمد الشرع، الذي قاد مشروع تحرير المدن السورية وتربع على عرش الحكم في الفترة الحالية، أن يقوم باعتباره قيمًا على الأراضي الشامية بطرح مبادرة عملية، تقضي باستقبال جزء محدود من أهل غزة المنكوبة واستقبالهم في سورية -بدل إبعادهم لأقصى المشرق أو المغرب- وذلك لتحقيق عدة أمور هي:

  1. حفظ دماء المسلمين التي تهرق كل يوم في غزة في ظل عجز عربي وإسلامي عن إنقاذها، وإرباك فلسطيني أضاع البوصلة وأصبح تائها مضطربًا لا يعرف طريقًا للحل.
  2. الحفاظ على مفهوم ومكون المقاومة الفلسطينية في حضن أمها الشام السورية، بدل أن يتلف ويتم إزهاقه كما هي الإرادة الأمريكية، لا سيما أن عامًا ونصف من المذابح التي أتت على الأخضر واليابس في غزة الأبية قد قطعت رؤوس معظم قيادات المقاومة وهتكت الحياة الاجتماعية لحاضنتها الفلسطينية، ستنتهي لا محالة -في حال إستدامتها- إلى صورة تجعل من فكرة ومكون المقاومة ذكرى تاريخية بعد إبادتها المحتملة.
  3. إيجاد فرصة عملية يتنفس فيها أهل الشام الأبية ليبنوا بسواعدهم تجربة فريدة على أرض إقليم الشام أم فلسطين. فسورية يمكن أن تحيا بدون فلسطين، لكن فلسطين لا يمكن أن تحيا وأن تتحرر بدون سورية، وإن كل تدعيم للتجربة السورية في أرض الشام – وتركيا- هو إنقاذ حقيقي للقضية الفلسطينية بشكل تراكمي، لا سيما وأن كل الحلول العربية والإسلامية والمحاولات الفلسطينية خلال قرن لم تحرر شبرًا من أرض فلسطين.

. تصحيح أم المصائب الفلسطينية، وذلك حين ربطت القيادات الفلسطينية المقاومة بين المشروع الإيراني المعادي لشعوب الأمة العربية والإسلامية وبين القضية الفلسطينية. وإن في التواجد الفلسطيني على أرض الشام ومصر والعراق فرصًا حقيقية – في أجواء الحرية – ستعيد الارتباط بشكله السياسي والجهادي بين الشعوب العربية في دول الطوق وبين قضية الأقصى باعتبارها جزءًا من العقيدة الإسلامية.

معضلة التقسيم بين الجغرافيا وأحكام الشرع ونظر العقل!

من الفاجع أن تقسيم سايكس بيكو الغربي لمنطقتنا العربية والإسلامية لم يتوقف عند الحدود الجيوسياسية، وإنما أعاد صياغة المشاعر والانتماءات والولاءات العربية والإسلامية، ثم انتقل ليتدخل في الفقه الإسلامي، وليبني مذهبًا خامسًا مفارقًا لأبي حنيفة والإمام مالك والشافعي وابن حنبل، وذلك حين أصبح التحليل والتحريم والمقبول والمرفوض، والواجب والمباح، مرتبطًا بحدود وتقسيمات سايكس بيكو، حيث تجد علماء الأمة يبررون بشكل شرعي هجرة العراقيين والسوريين واليمنيين والمصريين والسودانيين أمام المهالك والعذابات التي استباحت أعراضهم وديارهم ودمائهم، سواء أكانت هجرتهم في داخل بلدانهم أم في البلدان المجاورة، فيما يتجه الغالب لتحريم هجرة الفلسطينيين حتى لو كانوا يُذبحون كل صباح ومساء في ظل رجحان استمرار هذا الحال وعدم وجود قدرة على إيقاف نزيف الدماء، إلا بالردح الذي يصطبغ برداء ديني وتكبير ودعاء، ولكن مضمونه عجز عن التغيير وسلبية!

مضر أبوالهيجاء فلسطين-جنين 11/4/2025

زر الذهاب إلى الأعلى