في 12 يومًا فقط، أسقطت السماء قناع 40 عامًا من الخداع

إنهارت سردية “وحدة الساحات” بصوت الانفجارات في غزة، وانكشفت إيران، ليس بفعل خصومها، بل بقرار ذاتي منها، حين قررت ألا تدرج غزة ولا فلسطين أصلًا في حساباتها مع ترامب ونتنياهو.
هكذا ببساطة، باعت إيران القضية التي تاجرت بها طيلة عقود، تمامًا كما تُطوى راية في آخر مشهد من مسرحية انتهت صلاحيتها.
تركت غزة وحدها تُذبح، ثم قالت ببرود الجلاد: “هذه معركتكم، ونحن في حل منها.”
أي خيانة تُضاهي أن تُشعل الحروب بشعارات “نحن معكم”، ثم تنسحب في اللحظة التي يُنتظر منك فيها أن تُثبت أنك لست تاجر دم؟
إيران لم تخن الفلسطينيين فحسب، بل فضحت نفسها أمام حتى أتباعها العميان. أكدت أنها لا ترى في المقاومة إلا ورقة ضغط تفاوضية، سلعة تُبادَل في مزاد النفوذ مع الكيان الصهيوني، لا قضية ولا وجدان.
المقاوم في غزة بقي 600 يوم تحت جحيم النار والحصار والخذلان لأنه صاحب حق، لا يملك ترف الخيانة.
أما إيران، فما كادت تمر 12 يومًا حتى هرعت إلى البحث عن مخرج “مشرف”، يحفظ ماء وجهها بالاتفاق مع العدو الذي لطالما توعدته.
كان فجر غزة موجعًا..
أنين الخذلان عاد من جديد على ألسنة أهلها في مواقع التواصل:
“ مالنا غيرك يا الله.”
فلسطين لم تعد تنادي من يملك السلاح، بل من يملك القلب.
ولا عزاء للواهمين والمخدوعين.
قالوا: إيران حاضنة المقاومة، حامية ظهرها، رأس محور العزة.
فقلنا: إيران كانت تحضن المقاومة كما يُحضن الرهينة.
تُغذيها بما يكفي لتعيش، لا بما يكفي لتنتصر،،
ثم تستخدمها ورقة مساومة في لعبة تقاسم النفوذ.
وعندما جدّ الجد، باعتها في أول مزاد، وتركتها في العراء.
قالوا: وأين العرب؟
نرد: وهل نسينا خيانات العرب؟
لكن من ادعى أنه نقيّ، ثم خان..
أقبح من ألف خائنٍ لا يخفي وجهه.
في لحظة فاصلة، ظهر الخيط الأبيض من الأسود:
إيران لم تكن في ظهر المقاومة.. كانت فوق رأسها بسيفين، واحد للعدو وواحد إن احتجّت.
أما المهزلة الكبرى، فكانت في خطاب ترامب، الذي شكر إيران على إبلاغها المسبق بهجومها الصاروخي على قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر..
نعم، شكَرها، لأنها قدّمت له عرضًا ناريًا من دون ضحايا، ولا حتى خدش في دراجة نارية أمريكية.
ثم شكر قطر، وتحدث عن الوئام والسلام.. وكأن الدم الفلسطيني لم يُهرق، وكأن غزة لم تُحرق، وكأن كل ما حدث كان بروفةً مرتبة بإتقان.
إيران أرادت حفظ ماء وجهها، فاختارت مسرحية صاروخية متفق عليها مع الخصم، لا مع الحليف.
أما أمريكا، فقبلت العرض، وأعادت إخراج المشهد كـ”حل تفاوضي” يليق بمسار السلام القادم.
لا أحد بريء هنا.. إيران خانت سلاحها، وأمريكا خانت عظَمتها، وقطر لعبت دور “المُيسّر الدبلوماسي”،،
لكن الضحية.. كالمعتاد: طفل فلسطيني بلا مأوى ولا مأمن.
والسؤال الأخطر الآن:
هل بعد هذه الصفعة، ستعيد دول الخليج النظر في تحالفها الدفاعي مع أمريكا؟
أم أن هذا الهجوم المسرحي سيدفعها أكثر للاحتماء بالقاعدة التي استُهدفت شكليًا لحمايتها من “الجار الإيراني البلطجي”؟
جارٌ لا يهدد فحسب، بل يتخذ جيرانه رهائن في معركته الخاصة، ثم يتظاهر بأنه حامي الحمى؟
كل شيء كان لعبة مكشوفة..
حتى النار التي أُطلقت في سماء الخليج كانت نارًا بلا لهب حقيقي، لكن دم غزة لم يكن مجازًا..
ولن يُغفر لمن كان قادرًا على الردّ، ثم تراجع لأنه كان مشغولًا بحصته على الطاولة، لا بدماء من يسقطون تحتها
إحسان الفقيه