عدوّك من يُغرقك باسم نجاتك

حين تنظر إلى اللهيب المتصاعد في تل أبيب، تتوهم للوهلة الأولى أن سهماً قد انطلق من قوس العدالة.
لكن الحقيقة أبرد من دخان الكاميرات، وأشد قسوة من عويل الضحايا…
فصاروخٌ يتيمٌ لا يصنع حرباً، واحتلالاً بوجهين لا يصنع عدواً، بل مسرحية، يُتقن فيها البطل أداء دور الجلاد وهو يتظاهر بالبكاء على الضحية.

وإيران، هذه الجمهورية التي نبتت من رحم ثورة وادعت نصرة المستضعفين، تحوّلت في الحقيقة إلى إمبراطورية رماد، تحرق كل ما يجاورها باسم الطائفة، وتطعن خاصرة الأمة بسكين المذهب، بينما تصفق جماهيرها، مخدوعة بشعارات القدس وفلسطين.

فهل خاضت إيران – في زمن الخميني أو خامنئي – حرباً واحدة مع إسرائيل؟
هل رأينا راية الحرس الثوري ترفرف على أطلال مستوطنة؟
هل سال دم إيراني واحد على أسوار الأقصى؟
الجواب ليس في كتب التاريخ، بل في مدننا التي احترقت بأصابعهم:
في بغداد حيث الدم السني يُستنزف بلا حساب، في دمشق حيث المقامات تحرسها المليشيات لا الملائكة، وفي صنعاء، حيث قذائف الحوثي لا تميّز بين مسجد وسوق.

إيران لا تحارب باسم الحق، بل تُقاتل لفرض ولاية الفقيه بحد السيف. دخلت سوريا لا لتدعم ثورة، بل لتوأدها. وجعلت من بيروت مخفرًا للمخابرات، ومن البحرين وكرًا للفوضى، ومن الكويت جُرحًا صامتًا لا ينسى.

وفي خريطة عدائها الممتدة، تجاوزت إيران حدود العرب، إلى استهداف الإسلام ذاته. إنها لا تعادي “إسرائيل” كما تدّعي، بل تعادي الإسلام والمسلمين، وتضع يدها في يد كل من يعادي هذا الدين الحنيف، ويتربص بأهله.
إنها تُخاصم تركيا علانية، وتحرض على قيادتها، وتحاصر مشروعها السياسي، لأنها ترى في الصحوة الإسلامية تهديداً وجودياً لمشروعها الطائفي.
وتتحالف – دون خجل – مع روسيا الشيوعية في الشام، ومع الشيطان الأكبر في العراق، ومع ميليشيات كافرة في اليمن وأفغانستان، فقط لأنها تريد كسر ظهر كل دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة.
هي تعادينا في ديننا، لا في حدودنا فقط، وتقاتلنا في هويتنا، لا في مصالحنا فحسب.

في القانون، يُدان الفاعل لا بمقدار ما يرفع من الشعارات، بل بما يرتكبه من أفعال. وإيران لا تخفي جرائمها، بل تتفاخر بها على المنابر، وتوثقها في أرشيف دموي يبدأ من الأحواز ولا ينتهي في إدلب.

أما إسرائيل، وعلى رغم وحشيتها وجرائمها ضد الإنسانية، فهي لا تدّعي القداسة، ولا ترفع رايات النقاء. عدوّك الذي يقف أمامك، أشرف من عدوّك الذي ينام في فراشك، ويتلو عليك نشيد المقاومة ثم يغرز في ظهرك خنجراً مسنوناً باسم آل البيت.

ومن منظور سياسي ـ قانوني، فإن الخطر الإيراني تجاوز مرتبة “التهديد الإقليمي”، ليصبح حالة من العدوان المستمر، المسنود بعقيدة الغلبة لا الشراكة، والإلغاء لا التنوع، والدم لا الحجة. إنه احتلال مقنّع بثياب طائفية، يمارس التهجير والتغيير الديموغرافي، ويستبيح السيادة باسم المستشارين، والسجون باسم النصرة.

وإذا كان ميزان العدالة يقضي بمحاكمة كل من يرتكب جرائم ضد الإنسانية، فإن على المحكمة الدولية أن تنظر في ملف طهران، لا باعتبارها داعماً للإرهاب، بل مصنعاً رسمياً له، ينتج الميليشيات كما تُنتج المصانع البنادق.

والتاريخ لا يرحم من خان… والعدالة لا تسقط بالتقادم.

لقد طعن الصفويون الدولة العثمانية في خاصرتها، لا لأنها استعمرت الشعوب، بل لأنها فتحت القسطنطينية، وكان لا بد من إفشال مشروعها الإسلامي العالمي، ولو بدماء البصرة وبغداد.

واليوم، تعيد إيران ذات الخنجر، وتبحث عن ذات الخاصرة، لكنها تصطدم بصحوة عربية إسلامية جديدة، تعرف العدو من الصديق، وتعيد ترتيب أوراقها بوعيٍ سياسيٍّ لا يهادن، وقانون لا يُساوم.

ولأننا مؤمنون أن القضية ليست صراع حدود، بل صراع هويات، فإننا نكتب هذا السطر دفاعًا عن روح الأمة، وحقّ الشعوب في أن تختار مصيرها، دون وصاية معمّمة، ولا احتلالٍ ملوّنٍ بآياتٍ منزوعة الروح والرحمة.

آن أن نرفع الصوت لا بالسلاح فقط، بل بالكلمة الحق، وبالقانون الذي لا يحابي مذهباً ولا يركع أمام سطوة.

العدو هو من يسفك دمك، لا من يعاديك بالشعارات.
والصديق هو من يحميك، لا من يصلي خلفك ثم يسرق غدك.

فيا من نكّلتم بمدننا باسم التحرير…
عودوا إلى محراب الحقيقة، أو غادروا دفاترنا إلى الأبد.

المستشار خالد شبيب

مدير المعهد العالي للقضاء

زر الذهاب إلى الأعلى