رؤية سياسية لإطلاق الهوية البصرية السورية

الهوية البصرية انعكاس للهوية الثقافية.

من نافلة القول أن شعارات وتواريخ أي شعب وأي أمة ترتبط بأمجادها وثقافتها ورسالتها، كما تعبر عن آمالها وتدل على انحيازها.

وبقدر ما يتحقق هذا التعبير بقدر ما تتوضح حالتها من حيث القوة والضعف.

وبكلمة يمكن القول إن حالة ودرجة التمكين لمشروع الأمة تظهر قوتها وجرأتها في التعبير عن ثقافتها ومضامينها وإنحيازها من خلال شعاراتها.

نموذج الصحابة في تعيين التاريخ الهجري!

لم يتردد أحد من جهابذة الصحابة وتلاميذ مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم في الموافقة على مقترح الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، حين اقترح تعيين تاريخ للمسلمين يرتبط بالمنعرج الكبير الذي جسدته هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقام دولة الخلافة ونفذت أحكام الشريعة على أرض المسلمين.

ومن اللافت أن أحدا من الصحابة الكرام المعدلين والأوفياء لم يقترح ربط تاريخ المسلمين بشخص النبي صلى الله عليه وسلم سواء بتاريخ وفاته أو ولادته -كما جرت عادة الأمم السابقة واللاحقة-، فقد استقر إجماع الصحابة على تاريخ الهجرة والمنعرج الكبير الذي تجسدت فيه النواة الأولى للمسلمين واصطبغت بأحكام الشريعة.

النموذج السوري يقتدي بالنموذج التركي!

من المعروف والمشاهد أن الظروف الموضوعية الدولية والإقليمية والمحلية ليست في صالح المسلمين، بل إن تحدياتها تتعاظم وهي كثيرة، الأمر الذي يجعل إطلاق الشعارات الوطنية الجامعة أمرا متفهما على أرضية الواقع الصعب والمعقد، وهي الصورة التي تعيشها تركيا الحديثة، حيث ورثت صنم الوطنية، ولم تستطع الحركة الاسلامية دحره، رغم عقود العمل الأخيرة!

الفارق بين صناعة الصنم وتعزيزه وبين إضعافه والتخلص منه!

إن واقع صنم الدولة القطرية المفروض على شعوب أمتنا منذ قرن لا يعني قبوله والإذعان له ونفخ الروح فيه -كما النموذج التركي-، بل إن هذا الواقع القهري يوجب تحديه والتقليل من شروره عبر إبراز وتأصيل وتعزيز الأخوة الإيمانية.

وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطوف حول البيت وفيه الأصنام التي وضعها كفار قريش دون أن يهدمها، فإنه كان يطوف ويدعو ويدبر ويخطط لتحطيمها، ولم يكن معتزا بها ولا معززا لوجودها.

والسؤال المطروح هو:

إذا كانت سورية الثانية تتشكل في إطار الرؤية الأمريكية ودون اعتبار جوهر أهداف التضحيات السورية، فما هو السبيل لتجسيد الإرادة السورية الحرة وتشكيل سورية الجديدة والمنتمية بشكل تراكمي؟

إطلاق الجبهة السورية لمناهضة التطبيع مع المحتلين.

لا قيمة حقيقية معتبرة لفرح الجماهير وتحشيدها خلف شعار دون أن ينتقل إلى خطوة شعبية جماهيرية تعبر عن أهدافهم أو تشكل خطوة ونقلة نوعية في الاتجاه المعبر عن ثقافتهم وتطلعاتهم، وتفكك جزءا من التحديات المفروضة عليهم، وتسهم في توحيد جبهاتهم ضد مخاطر حقيقية.

لا يتوفر أمام السوريين اليوم أنسب من المسألة الإسرائيلية كمرتكز يسهم في تحقيق الوحدة، ويبلور تصوراته السياسية المعبرة عن ثقافة الشعب وانتمائه الإسلامي وانحيازه لقضايا الأمة، لاسيما وإسرائيل خطر حقيقي متقدم على عموم الشام وخصوص دمشق.

الإسلاميون والقوميون بين نجاح المخادعين وفشل الصادقين!

لقد نجح القوميون المخادعون والبعثيون الاشتراكيون المفارقون لثقافة الأمة في حشد الجماهير العربية والإسلامية خلفهم نصف قرن -رغم خداعهم وكذبهم واستبدادهم وسرقاتهم- وذلك خلف عنوان صحيح تجمع عليه شعوب الأمة، ويعبر عن ثقافتها وآمالها، كما يتطابق مع أحكام دينها وفقهها، ألا وهو معاداة إسرائيل والسعي لتحرير أرض الشام فلسطين، واسترداد أقصى الموحدين لحضن المسلمين!

وكما نجح القوميون المخادعون فقد نجح -ولا يزال- الملالي الإيرانيون واختطفوا عقول وقلوب الأمة رغم كفرهم وكذبهم وجرائمهم واحتلالاتهم، وذلك عندما رفعوا شعار العداء لعدو الأمة إسرائيل المجرمة، للدرجة التي انحطت وتدنت فيها عقول بعض المفكرين والدعاة الإسلاميين كبقية قطيع الجهال من العرب والمسلمين!

امتحان جدية وأهلية الحكام السوريين ونضج أهل الشام الكرام!

من غير المعقول أن ينجح الكاذبون والمخادعون القوميون والبعثيون والطائفيون والأسديون في تحشيد الشعوب خلفهم نصف قرن تحت عنوان صحيح هو مواجهة إسرائيل، ولا ينجح المسلمون والثوار الأحرار السوريون في لحظة ولادة مشروعهم النهضوي برفض التطبيع والثبات على موقف العداء لإسرائيل المحتلة لأرضهم!

سورية ليست مشروع علف للغنم وتسمين للبقر!

إن كل المبررات التي يتم استحضارها يمكن أن تصلح لاستبعاد القتال مع إسرائيل التي تحتل أرضا سورية، كما يمكن أن تبرر العجز عن تحرير الأقصى، كما أن أحدا لم يطالبها بإنقاذ غزة، ولكنها غير معتبرة لتبرير الخضوع للتطبيع مع المحتلين سواء أكانوا إيرانيين أم إسرائيليين، فهل يظهر الحق في مواجهة إيران ويختفي إزاء إسرائيل!

مضر أبوالهيجاء جنين-فلسطين 4/7/2025

زر الذهاب إلى الأعلى